لم تكن الحالة التي استيقظ منها لتوّه هي النوم، لا الإغماء ولا حتّى التخيّل؛ عوضًا عن ذلك شعر وكأنّه داخل شيءٌ فارغٌ، مثل غيابٍ كبير، وغامضٌ لدرجة لم يستطع إيجاد كلمةٍ لتسميته. لعدّة مرّاتٍ حاول جاهدًا التركيز بغية الوصول إلى ذكرياته، غير أنّ جميع محاولاته أبعدتها نحو البحيرة السوداء التي أصبحت ذاكرته. نهض، ولاحظ فقط في تلك اللحظة أنه كان عاريًا، دون أن يعرف أي شيء عما فعله بملابسه. خاطر بخطوةٍ جديدةٍ في ذاكرته للعثور على طرف إجابة. ومثل تلك الأحلام التي تتلاشى تدريجيًا عندما نستيقظ ونحاول الإمساك بها، انزلقت الذكريات في الظلمة أكثر فأكثر. استسلم الرجل. استقام وألقى نظرةً فاحصةً على كلّ ما يحيط به. وجد نفسه داخل حرشٍ صغير، محاطًا بأشجارٍ كبيرةٍ شكّلت أوراقها مظلّةً كبيرةً فوق رأسه. هنا يسودُ صمتٌ عميقٌ ذو كثافةٍ واضحة.
اعتقد أنّه ربّما كان يحلمُ على أيّ حال؛ ولكن ما إن خطرت له هذه الفكرة حتّى أدرك على الفور سخافتها: لقد علم، وبيقينٍ حدسيّ شديدٍ لا يحتاج إلى إثبات، أنّه لم يكن يحلم قط. ما من حلمٍ، حتى أكثرها غرابةً، يمكنه أن يبدو بعيد المنال؛ وحده الواقع باستطاعته أن يكون شديد الغرابة.