الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورحمة الله للعالمين؛ نَبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فقد خص الله رسوله من بين سائر أمته بالزواج بأكثر من أربع نسوة، وذلك لحِكم عظيمة يأتي ذكرها في ثنايا كتابنا هذا، وسماهن في الكريم أمهات المؤمنين فقال تعالى : لنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) [الأحزاب: ٦]، وطهرهن من الرجس فقال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: ۳۳]، وتحملن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشقة الدعوة والجهاد وشظف العيش وأعدَّ الله لهن في الآخرة الأجر العظيم، فقال تعالى: ﴿ إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة ، فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ) [الأحزاب: ۲۹] فكن رضي الله عنهن قدوات صالحات لنساء المؤمنين في كل زمان ومكان، وكان في أمهات المؤمنين الصغيرة والكبيرة والأرملة، وقد حفلت حياتهن مع رسول الله له بالسعادة التي لا نظير لها، رغم الابتلاءات والمحن الكثيرة، فيكفيهن فخرًا نزول الوحي في بيوتهن رضي الله عنهن .
وقد رأيتُ الحاجة داعية لجمع كل ما يتعلق بأمهات المؤمنين من أحكام، وفضائل وخصائص وترجمة وافية لكل واحدة منهن؛ مع التحقيق والتدقيق، وبذلتُ بذلك من الجهد في جمع مادة الكتاب - رغم ضعفي وفقري وقلة علمي - ما يجعله مرجعًا مهما في بابه وسميته «الطاهرات»، استلالاً من قوله تعالى لهن : ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب: ٣٣]، راجيا من الله أن يجعله مرجعًا مهما لكل من أراد أن يعرف مكانة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن .
وإني لأعتذر للقارئ الكريم عمَّا سيجده من تكرار في شرح بعض الكلمات الغريبة، وتخريج بعض الأحاديث، فإني قد أسهو عن الشيء يسبق، فأكرره فى مواطن أخرى، وأرجو ألا يخلو التكرار من فائدة، والله الموفق. وأسأل الله له أن يتقبله مني، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وينفع به الإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسَلَّم وبارك متها بتلا دیا على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
كتبه
موسى بن راشد العازمي