لما ظهرت الأهواء الضالة، والافكار المنحرفة، بدا قرن التفرق يظهر ودب الخلاف، وكلما بعد الناس من عصر النبوة والخلافة كلما ازدادت الأهواء ظهوراً وتمكناً ولا يأتي زمن إلا والذي بعده شر منه. فافترق الناس بعد ذلك إلى فرق كثيرة ومتنوعة، كل فرقة تنهج نهجاً خاصاً بها، في اعقائد والمناهج والسلوك، فترتضي بذلك المنهج وذلك السلوك، وتضلل غيرها من الفرق الخالفة لها؛ فحصل ما أخبر به نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أن هذه الأمة: “ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة؛ وهي الجماعة”، فلما حصلت هذه الفرقة وحصل هذا الإختلاف وكثرت الأهواء، أخذ العلماء يحذرون المسلمين من هذه الفرق وهذه الأهواء، مبينين لهم ضلالاتهم وانحرافاتهم، آمرين لهم بلزوم جماعة المسلمين أهل السنة والجماعة، فصنفوا في ذلك المصنفات الخاصة والعامة، ومن هذه المصنفات النافعة والقيمة كتاب “الفرق بين الفرق” للإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي، فهذا الكتاب من أحسن الكتب وأجمعها التي ألفت في باب بيان الفرق وعقائدها، فهو كتاب جامع شامل نافع. وكل من جاء بعده وكتب في هذا المجال إنما يغترف من هذا الكتاب ويأخذ منه، ولما كان الكتاب بهذه المنزلة والمثابة أحببنا أن نقدم له شيئاً من الخدمة والعناية، وذلك مساهمة منا في نشر كتب علمائنا الأجلاء.