وقد ابتغيتُ من هذا الكتاب أن يكون فريدًا في بابه؛ فكان منهجي فيه ألَّا أترك مسألة من مسائل العروض- حتى المسلَّمات- إلا ناقشتُها ودلَّلتُ على رأيي؛ وذلك أني كنت أقرأ الأشعار القديمة والحديثة قراءة نقد وتمحيص، إضافةً إلى اطِّلاعي على أكثر كتب العروض قديمًا، وكثير من الكتب الحديثة، ووجدتُها تشترك في أمور لم أستسغها؛ منها افتئات العَروضيِّين على الشعراء، وتحديد قواعدَ تخرج عمَّا حدَّه الشعراء للشعر، وهم أصحاب الموهبة والذائقة، فكتبتُ هذا الكتاب أتغيَّا أن أربط بين الشعر والعَروض، وأن أجعل الشعراءَ هم المرجعَ؛ إذ إن العروضيين قد ابتعدوا كثيرًا بقواعدهم العروضية في أمور كثيرة عن الشعر وطريقة الشعراء. وراعيتُ في الكتاب صنفينِ؛ الشاعرَ الذي يَطلُب ما يحتاج إليه صافيًا سهلًا دون الخوض في مناقشات واستدلالات، ففي أثناء شرح البحر جعلت عنوانًا (ما يحتاج إليه الشاعر)، ألخِّص فيه صور البحر وعِللَه وزحافاتِه الجائزة له، والباحثَ وطالب العلم الذي يطلب الاستدلالاتِ والمناقشات. وقد قال لي بعض أهل العلم بالعروض في مناقشات بعض مسائل الكتاب: «إن ما أَثَرْتَه في هذا الكتاب سيثير جدلًا كبيرًا»، ولا بأس؛ ما دام ذلك سيحرِّر مسائله، ويعيد النقاش في مسلَّمات لا تصحُّ، قد استقرَّت بسبب عدم مناقشة مسائل العروض، ونقلها دون تمحيص؛ مثل مسائل الخَرم والخزم، والتغييرات العروضية الأربعة، واستدراك الأخفش للمتدارك على الخليل، وكثير من الزِّحافات والعلل، وبعض عيوب القافية، والضرورات الشعرية