حين غادر البيت لأول مرة لم يتوقع أنه سيوصد عليه في قادم الأيام وحده. لم يكن لديه رغبة لأداء أي شيء، ولا ذوق لشيء، ولا حتى للترفيه عن نفسه بالأفلام عبر منصاتها المحملة في حاسوبه المحمول. كان العجب يأخذه من كيف يمكن لامرأة في مثل حالة عمته من التقدم في السن والمرض والانزواء أن تحدث مثل هذا الفراغ؟ بدت امرأة تشغل حيزاً هائلاً من الحياة لم يتوقعه رغم سكناها الهامش. غدا له البيت متخماً بالكآبة لدرجة يمكنه استنشاقها في الهواء. يتملك الحزن البيوت عندما يفارقها ساكنوها. فكر في مرضها، وكبر سنها، وارتعب من فكرة رحيلها عن الحياة. سيفتقدها دون شك فهل سيفتقدها غيره؟ ربما تأثر أولئك الذين تسخر جزءاً غير قليل من مساعدتها المالية لهم. فهي ضالعة في أعمال الخير. وربما عانت البرامج الدعوية التي تتبناها، لكن ما هو متيقن منه أن حياة ستفتقدها فقد اعتادت أمومتها منذ الطفولة. في الأوقات القليلة التي جالس فيها العمة خلال أيام الاجتماع الثلاثة، كان يسمعها تردد كثيراً الحديث عن ضرورة تأثيث بيت الآخرة بالأعمال الصالحة، هل كانت تعلن من طرف خفي عن اقتراب رحيلها. "كلا" قال لنفسه رافضاً ذلك الخاطر المشؤوم. "لم تزل متشبثة بالحياة كما يبدو"، رغم الوعود الهائلة التي يقدمها لها اعتقادها.