جرائم بلدة بولتون
د.إ71.00
لاف كرافت – الأعمال الكاملة ج1
المؤلف/المؤلفون: لاف كرافت
الناشر: دار اكتب للنشر و التوزيع
تاريخ النشر: 2024-01-25
الوصف:
بالنظر إلى وضعي الحالي، أدرك تمامًا أن الحديث عن الظروف التي أدت إلى احتجازي داخل ملجأ المجانين هذا، سيُثير شكوكًا مبررةً في صحة قصتي. ومن سوء الحظ أن الأغلبية الساحقة من البشر قد حاصرها ضيق الأفق العقلي بما يكفي لتقييم تلك الظواهر المعزولة التي يراها ويحس بها قلة قليلة من ذوي الحساسية النفسية بصبر ودهاء، والتي تقع بدورها خارج نطاق تجربتها العادية. يعلم الرجال الأوسع مداركًا وفطنةً أنه لا وجود للفروقات الواضحة بين ما هو حقيقي وغير حقيقي؛ أي أن جميع الأشياء تتجلى أمامنا على الهيئة التي نراها بها بفضل الوسائط الجسدية والعقلية الدقيقة الفردية التي نتأثر بها وندركها؛ وفي المقابل تنظر المادية السطحية الغالبة إلى ومضات الرؤى الخارقة التي تخترق حجاب الطبيعة المعتادة للتجربة الواضحة على أنها ضرب من الجنون. أنا جيرفاس دادلي، ومنذ نعومة أظافري كنت من الحالمين وأصحاب الرؤى، ثري بما يفوق حاجتي من الحياة المادية، ذو مزاج متقلب وغير متناغم مع الأنشطة الرسمية والمناسبات الترفيهية الاجتماعية التي يشاركني فيها معارفي، لطالما جبت عوالمَ بعيدة تختلف عن العالم الحسي؛ وقضيت شبابي ومراهقتي في قراءة الكتب القديمة وغير المعروفة، متجولًا في الحقول والغابات المجاورة لموطن أجدادي. لا أظن أن ما قرأته في هذه الكتب أو رأيته في هذه الحقول والغابات كان مماثلاً تمامًا لما قرأه ورآه الأولاد الآخرون هناك؛ بيد أني لن أسهب في الحديث عن هذه الأمور، لأن الكلام المستفيض لن يمثل سوى تأكيد على تلك الافتراءات القاسية التي أُلقيت على قواي العقلية والتي أحيانًا ما تصل إلى مسامعي من أصوات الخدم الخفية من حولي. يكفيني أن أروي الأحداث دون تحليل الأسباب ورائها. ذكرت آنفًا أني تجولت بعيدًا عن العالم الحسي، ولكني لم أقل إني أقمت في عزلة فردية. وهذا ما لا يقدر عليه مخلوق بشري؛ لأن الافتقار إلى رفقة الأحياء يدفعه بطبيعة الحال إلى صحبة الأشياء غير الحية أو التي لم تعد على قيد الحياة. يقع بالقرب من منزلي وادٍ محفوف بالأشجار الفريدة، حيث قضيت معظم أوقاتي في ظلمات الشفق مستغرقًا في القراءة والتفكير والأحلام. خطوت أولى خطواتي طفلاً في مدرجاتها التي تكسوها الطحالب، وحول أشجار البلوط العفنة والمشوهة، نسجت أولى خيوط خيالاتي صبيًا. لقد عرفت جيدًا حوريات الغابة اللاتي يحكمن تلك الأشجار، وشاهدت رقصاتهن الجامحة تحت شعاع القمر المتضائل مرارًا وتكرارًا، ولكن لا يحسن الآن الحديث عن هذه الأمور. سأكتفي بالحديث عن المقبرة الوحيدة الواقعة في سفح إحدى التلال الأشد ظلامًا؛ ذلك الضريح المهجور لعائلة هايد القديمة والمرموقة التي دُفن آخر سليل لها في ظلمة مثواه الأخير قبل عقود عديدة من ولادتي.
Reviews
There are no reviews yet.