جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام
د.إ63.81
جلاء الأفهام
في الصلاة والسلام على خير الأنام
اسم المؤلف : ابن قيم الجوزية
ليس غريباً أن تحفل المكتبات بالعديد من الكتب الرائعة الخاصة بالصلاة والسلام على خير البرية محمد ﷺ، فحبيبنا محمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء والمرسلين أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، ولعل من أهم الكتب في هذا الباب كتاب “جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام” لابن القيم الجوزية (ت: 751 هـ) الذي تم من خلال إحدى طبعاته إحصاء أكثر من 100 كتاب حول فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام.
لقد كفانا المؤلف رحمه الله تعالى مؤونة الكشف عن طبيعة كتابه القيّم، فقال في المقدمة: “هذا كتاب سميته (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام) (..)، وهو فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها، بيَّنَّا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه ﷺ، وصحيحها من حسنها، وبيَّنَّا ما في معلولها من العلل بياناً شافياً، ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد، ثم في مواطن الصلاة عليه ﷺ ومحالِّها.. إلخ”.
وهكذا فإن الأمانة تقتضي أن نقول إن ابن القيم الجوزية نجح فعلاً في الكشف عن فضل الصلاة على النبي ﷺ وما جاء فيها من الآيات والأحاديث، وتبيان مواطنها وفوائدها وثمراتها، وسنحاول في هذه السطور أن نقدم شيئاً من ذلك حرصاً على المساهمة في الحث على الصلاة والسلام على محمد خير الأنام.
مفهوم الصلاة على النبي محمد ذكر ابن القيم أن أصل الصلاة على النبي يعود إلى معنيين، أحدهما العبادة والثاني الدعاء والتبريك ومنه وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة:103) وقول النبي ﷺ: “إذا دُعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصلِّ”. والدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، وقد جاء في القرآن الكريم الأمر بممارسة عملية الدعاء في قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، وقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
هذا عن صلاة الآدمي، أما صلاة الله سبحانه وتعالى على عبده فقد ذهب ابن القيم إلى أنها تنقسم إلى نوعين: عامة وخاصة، والمقصود بالعامة صلاته على عباده المؤمنين لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} (الأحزاب : 43) قال ابن عاشور في تفسيره معلقاً على هذه الآية: “تعليل للأمر بذكر الله وتسبيحه بأن ذلك مجلبة لانتفاع المؤمنين بجزاء الله على ذلك بأفضل منه من جنسه وهو صلاته وصلاة ملائكته، والمعنى أنه يُصلي عليكم وملائكته إذا ذكرتموه ذكراً بكرةً وأصيلاً”.
أما الصلاة الخاصة من الله سبحانه وتعالى على رسله وأنبيائه وخاصة على خاتمهم وخيرهم محمد ﷺ ، فقد اختلف الناس في معناها على أقوال: الأول أن “صلاة الله رحمته وصلاة الملائكة الدعاء”، والثاني أن “صلاة الله مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء”، ويبدو أن ابن القيم الجوزية ذهب إلى أن هذين القولين ضعيفان لوجوه أوصلها ابن القيم إلى 14 وجهاً، منها: أن الله سبحانه وتعالى فرّق بين صلاته على عباده ورحمته فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة : 155-157 ) ، وأن صلاة الله سبحانه وتعالى خاصةٌ بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين وأما رحمته فوسعت كل شيء وبالتالي فإن الصلاة ليست مرادفة للرحمة، هذا بالإضافة إلى أن لفظة “صلَّى” لا تُعرف في اللغة الأصلية بمعنى الرحمة، بل المعروف عند العرب من معناها أنها الدعاء والتبريك والثناء.
كيفية الصلاة على النبيﷺ ؟ حدثنا القرآن الكريم عن حبيبنا محمد بن عبد الله الذي أرسله الله رحمة للعالمين وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين وزكَّاه في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وأمرنا الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، (الأحزاب:56) قال ابن كثير في تفسيره معلقاً: “والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعاً”. وقد وردت أحاديث عديدة تحثُّ على الصلاة والسلام على خير الأنام محمد ﷺ وتوضِّح كيفيتها وفضلها ومواطنها رواها مجموعة من الرواة الثقات منهم: أبو مسعود الأنصاري البدري، وكعب بن عُجرة، وأبو حُميد الساعدي، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وطلحة بن عُبيد الله، وعمر بن الخطاب، وفاطمة بنت الرسول، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وعبد الرحمن بن عوف، وزيد بن حارثة.
ولأن المقام لا يسمح باستعراض جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب، فسنكتفي بذكر أربعة أحاديث نعتقد أنها تُعطينا صورة عن كيفية وفضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، أولها حديث أبي مسعود: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه قال: أتانا رسول الله ﷺ ونحن في مجلس سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال له بشير بن سعد رضي الله عنه: أمرنا الله أن نُصلي عليك فكيف نُصلي علي…
Reviews
There are no reviews yet.